الأخبار العالميّة

تاريخ التعاون الصيني التونسي: 60 عامًا من الشراكة الاستراتيجية

f64bbf99d5eb0be3f9fbb946b699b5ce XL 2 1

التعاون الصيني التونسي: نظرة عامة

تعتبر العلاقات بين الصين وتونس شراكة استراتيجية يمتد تاريخها لأكثر من 60 عامًا. تتميز هذه الشراكة بالتعاون في مجموعة واسعة من المجالات بما في ذلك الاقتصاد والثقافة والتعليم. وقد شهد التعاون الصيني التونسي تطورات كبيرة على مر السنوات، مع إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة وتبادل ثقافي ثري. كما تعزز الاستثمارات الصينية في تونس القطاعات الرئيسية وتوفر فرصًا مهمة للتطوير الاقتصادي والاجتماعي. يتوقع أن يستمر التعاون الاستراتيجي بين الصين وتونس في المستقبل، مع التحديات والتطلعات المستقبلية التي يجب مواجهتها وتحقيق التنمية المشتركة.

الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين تونس و الصين 1964 -2024

تاريخ التعاون الصيني التونسي

تعود علاقات الصين وتونس إلى أكثر من 60 عامًا،حبث  وجّه رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيّد رسالة تهنئة جانفي 2024 إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، أعرب من خلالها عن اعتزازه بإحياء هذه الذكرى التاريخية، وعن ارتياحه لمستوى العلاقات الثنائية بين البلدين، والتي تعزّزت خلال السنوات القليلة الماضية على المستوى الثنائي وكذا في أطر إقليمية ودولية.نتج عنها شراكة استراتيجية قوية خلال هذه الفترة. وكان التعاون بين البلدين في العديد من المجالات منها الاقتصاد والثقافة والتعليم و السياحة. تطورت الشراكة بشكل ملحوظ على مدار السنوات، مأكد الرئيس قيس سعيد في رسالة التهنئة على حرص بلاده على تقوية وشائج الصداقة مع الصين، والتأسيس لشراكات جديدة وواعدة في عدة قطاعات، مما سيساهم في الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى أرفع المراتب.

أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الصين وتونس

تعتبر الشراكة الاستراتيجية بين الصين وتونس ذات أهمية كبيرة في تعزيز التعاون الاقتصادي والاجتماعي بين البلدين. حيث تتيح هذه الشراكة الفرصة لتونس للاستفادة من تجربة وخبرة الصين في مجالات متعددة مثل البنية التحتية والصناعة والتكنولوجيا. 

التطورات الرئيسية في الشراكة

تشهد الشراكة الاستراتيجية بين الصين وتونس تطورات مستمرة في مجموعة متنوعة من المجالات. تتضمن هذه التطورات تعزيز التعاون في المشاريع الاقتصادية المشتركة، حيث تتمثل في إقامة المصانع المشتركة وتطوير البنية التحتية. كما تشمل التطورات التعاون في المجالات الثقافية والتعليمية، مما يشمل تبادل الزيارات الثقافية وتنظيم المؤتمرات والندوات التعليمية. هذه التطورات تعكس التزام البلدين بتعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع نطاق التعاون المتبادل.حيث أظهرت البلدين بوضوح رغبتهما في تطوير تعاون أعمق وأكثر نجاعة يسوده  الاحترام المتبادل.  خاصة انهما يتقاربان في توجهات عديدة مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ومساندتهم للعديد من القضايا العالمية كالحراك الفلسطيني. 

المشاريع الاقتصادية المشتركة

تشهد الشراكة الاستراتيجية بين الصين وتونس تطورات مستمرة في مجال المشاريع الاقتصادية المشتركة. فقد تم إقامة عدد من المصانع المشتركة بين البلدين في قطاعات مختلفة مثل الصناعات التحويلية والإلكترونيات والملابس. وتمثل الصين اليوم الشريك التجاري الأول لتونس، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين في عام 2023 حوالي 10 مليارات دولار. كما تعدّ الصين مصدرا رئيسيا للاستثمار الأجنبي في تونس، حيث بلغ حجم الاستثمارات الصينية في البلاد حوالي 4 مليارات دولار كما تم توسيع قاعدة البنية التحتية في تونس بتمويل صيني، وذلك من خلال إنشاء وتطوير مشاريع البنية التحتية الحيوية مثل الموانئ والطرق والسكك الحديدية. فتطوير العلاقات مع تونس هو جزء من استراتيجية صينية متكاملة تهدف لفتح مرحلة جديدة من العلاقات مع دول المنطقة سواء العربية او الافريقية.وقد عززت تونس والصين علاقاتهما من خلال مبادرة الحزام والطريق ، منتدى التعاون الصيني الأفريقي،  منتدى التعاون الصيني العربي.  

التعاون في المجالات الثقافية والتعليمية والسياحية.

تهدف الشراكة الاستراتيجية بين الصين وتونس أيضًا إلى تعزيز التعاون في المجالات الثقافية والتعليمية والسياحية حيث ان التبادل السياحي والثقافي مما يدسلهم في  تزايد سريعاً في عدد الزوار الصينيين بعد أن بدأت البلاد في منحهم الدخول بدون تأشيرة في عام 2017، وذلك بنسبة تصل إلى 10 في المائة على أساس سنوي وفقاً لبعض التقارير. وفي الأخير تمكنت تمثيلية الديوان الوطني التونسي للسياحة في بيكين تتوّج كأحد أفضل مكاتب السياحة في الصين لسنة 2023 على غرار  تبادل الزيارات الثقافية بين البلدين، حيث قدمت الصين عروضًا فنية وثقافية في تونس، وعقدت مؤتمرات وندوات لتبادل الخبرات في مجالات الثقافة والفنون. كما تتعاون الجامعات الصينية والتونسية في تبادل الطلاب والباحثين والدروس والمنح الدراسية. مع انشاء والمساهمة في مشاريع عدة منها  المعهد العالي للدراسات التكنولوجية بالكاف ،مركز الشباب الرياضي والثقافي المنزه ، والأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس بقيمة 23 مليون دولار في أفريل 2022 تم تطويرها بتمويل صيني يسهم هذا التعاون في تعزيز التفاهم الثقافي والتعليمي بين البلدين وتعزيز العلاقات الشخصية والأكاديمية.

الاستثمارات الصينية في تونس

تشهد تونس تزايدًا في الاستثمارات الصينية في السنوات الأخيرة. تركزت هذه الاستثمارات في عدة قطاعات رئيسية، بما في ذلك البنية التحتية، والصناعة، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة. تتميز الاستثمارات الصينية بالتخطيط الجيد والتكنولوجيا المتقدمة، وتوفر فرص عمل وتحسين المهارات للعمال التونسيين. ولعل من بينها التعاون الصيني التونسي  في مجال النفط ، مركز “بيدو” للملاحة عبر الأقمار الصناعية وهو أول مركز صيني من نوعه في الخارج ، سد الكبير ، هذه الاستثمارات تساهم في تعزيز الاقتصاد التونسي وتحقيق التنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك، توفر الاستثمارات الصينية أيضًا علاقات تجارية جديدة وفرصًا لزيادة التصدير وتعزيز الاندماج الاقتصادي في السوق العالمية.

القطاعات الرئيسية والمشاريع الرائدة

شهدت الاستثمارات الصينية في تونس تركيزًا على عدة قطاعات رئيسية. تشمل هذه القطاعات الصناعية الثقيلة، وبناء السفن، والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا،فشركة هواوي الصينية العملاقة للهواتف المحمولة لا تزال تتمتع بوضع جيد في تونس، بحيث تمثل ما يقرب من 15 في المائة من السوق المحلي للهواتف الذكية. والبنية التحتية. قدمت الشركات الصينية مشاريع رائدة تساهم في تعزيز قدرات تونس الصناعية وتحقيق التنمية المستدامة. بعض المشاريع البارزة تشمل محطة الطاقة الشمسية بقدرة 10 ميغاواط في ولاية قفصة ومشروع بناء وإدارة ميناء رادس البحري. تعزز هذه المشاريع التعاون الاقتصادي وتعزز البنية التحتية للبلاد.

الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للإستثمارات الصينية

تعزز الاستثمارات الصينية في تونس الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. من الناحية الاقتصادية، تساهم هذه الاستثمارات في تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين البنية التحتية. كما تسهم في نقل التكنولوجيا والخبرة الصناعية، وتعزيز القدرات التنافسية للشركات المحلية. من الناحية الاجتماعية،  مشروع المستشفى الجامعي بصفاقس 2016 الذي يعتبر إنجاز كبير لولاية صفاقس خاصة ووزارة الصحة عموما.

التبادل التجاري والاقتصادي

تشهد العلاقات التجارية بين الصين وتونس نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 2.8 مليار دولار في عام 2020. تتركز التجارة بينهما في القطاعات الصناعية والتكنولوجية، و هذا ما أكدته في جانفي الماضي، وزيرة التجارة وتنمية الصادرات السيدة كلثوم بن رجب حرم القزاح اثناء لقائها بمساعد وزير التجارة الصيني السيد تانق وينهانق tang wenhang. ورغبة البلدين في مزيد تطويرها في ظل توافق الرؤى حيث يتم تبادل المنتجات الصينية مثل الالكترونيات والملابس والأجهزة المنزلية، مقابل المنتجات التونسية مثل الزيوت والمنسوجات والكيماويات. تسعى البلدين لزيادة حجم التبادل التجاري في المستقبل وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما.

الأثر الاقتصادي للعلاقات التجارية بين الصين وتونس

تشهد العلاقات التجارية بين الصين وتونس أثراً اقتصادياً هاماً على البلدين. فعلى سبيل المثال، تعد الاستثمارات الصينية في تونس مصدراً هاماً للعمالة وتحفيز النمو الاقتصادي. كما تساهم في توفير فرص عمل جديدة وتحديث البنية التحتية الاقتصادية في تونس. علاوة على ذلك، يحقق التبادل التجاري بين البلدين فوائد اقتصادية من خلال زيادة حجم التجارة وتنوع المنتجات وتحسين البنية التجارية. تتطلع تونس والصين إلى تعزيز هذا الأثر الاقتصادي وتعميق التعاون بينهما في المستقبل.

الفرص المستقبلية لتعزيز التبادل التجاري

هناك العديد من الفرص المستقبلية لتعزيز التبادل التجاري بين الصين وتونس. يمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز التعاون المزيد في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والشحن البحري والسياحة والزراعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز التجارة بين البلدين من خلال التطرق إلى تنمية التعاون التونسي الصيني الإفريقي، أفادت السيدة كلثوم بن رجب حرم القزاح عبر تملنشرته بالصفحة الرسمية للوزارة  بأن تونس تسعى إلى جعل معبر رأس جدير بوابة نحو إفريقيا ومنطلقا لإرساء معبر تجاري أفريقي ودعت في هذا الإطار الجانب الصيني لدعم هذا المشروع التنموي الهام وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير وزيادة الاستثمارات المشتركة في مجالات جديدة. 

الشراكة في المنتديات الدولية والدعم المتبادل

تمتلك الصين وتونس شراكة قوية في المنتديات الدولية، حيث تعملان معًا لدعم قضايا مشتركة والترويج للتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. تساهم الصين وتونس في العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة الشراكة الشرقية-الشرقية والمنتدى الاقتصادي العالمي، وتعملان معًا لمناقشة وحل القضايا العالمية الهامة. يتمتع التعاون الثنائي بدعم قوي على المستوى الدولي، مما يقوي الجهود المشتركة لتحقيق التنمية والازدهار العالمي.

دور الصين وتونس في المنظمات الدولية

تعمل الصين وتونس معًا في العديد من المنظمات الدولية لتعزيز التعاون ومناقشة القضايا العالمية. تشارك الصين وتونس في الأمم المتحدة ومنظمة الشراكة الشرقية-الشرقية والمنتدى الاقتصادي العالمي، وتسعىان للوقوف جنبًا إلى جنب لتعزيز الأمن والسلام العالميين والترويج للتنمية المستدامة. يتمتع التعاون الثنائي بقوة داخل المنظمات الدولية، حيث يدعمان بعضهما البعض في الجهود العالمية لمواجهة التحديات العالمية المشتركة وإحراز تقدم حقيقي في تحقيق الأهداف المشتركة.

تعزيز التعاون في المجالات السياسية والأمنية

يسعى الصين وتونس لتعزيز التعاون في المجالات السياسية والأمنية ، بما في ذلك تعزيز السلام والأمن في المنطقة، ومكافحة الإرهاب، وتغير المناخ. الخبرات والمعلومات وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتعزيز الاستقرار الإقليمي. تجتمع البلدين باستمرار لمناقشة القضايا الأمنية الهامة والتعاون في مجال إعادة الأمن والتعاون الاستخباراتي. تونس تثمن أيضًا الدعم الذي تقدمه الصين في تعزيز الاستقرار والأمن في البلاد والمساهمة في بناء القدرات الأمنية والعسكرية للقوات التونسية. 

التحديات والتطلعات المستقبلية

التعاون الصيني التونسي يواجه عددًا من التحديات، بما في ذلك الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلدين والتحولات الجيوسياسية في المنطقة. في ظل هذه التحديات، تسعى البلدين لتعزيز الشراكة وتعميق التعاون في مجالات جديدة مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة. يأمل البلدين أيضًا في تعزيز الاستثمارات وتوسيع التبادل التجاري بينهما. بالإضافة إلى ذلك، يتطلع البلدين إلى توطيد التعاون الثقافي وتبادل الخبرات في مجال التعليم والبحث العلمي. يعتبر التحديث وتطوير الشراكة الاستراتيجية بين الصين وتونس من أهم التطلعات المستقبلية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

تطوير الشراكة الاستراتيجية للمستقبل

من أجل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الصين وتونس في المستقبل، يجب أن يستمر البلدين في تعزيز التواصل وتبادل الخبرات في مختلف المجالات. ينبغي الاستمرار في تعزيز التجارة والاستثمارات المشتركة، ودعم المشاريع الاقتصادية والتطوير التكنولوجي. يجب أيضًا العمل على تعزيز التعاون في المنتديات الدولية وبناء الثقة المتبادلة بين الدولتين. من المهم أيضًا تعزيز التعاون في المجالات البيئية والاجتماعية والثقافية، وتبادل التجارب والمعرفة في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والعلوم.

كاتب المقال: سلام مليك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى