غرائب وطرائف

مرافق أبحاث الخفافيش… هل يمكن أن تساعد في وقف الأوبئة؟

تدرس أنظمة مناعتها وقدرتها على تحمل الفيروسات

«كيف يمكن للخفافيش التعايش مع مسببات الأمراض الخطيرة»؟ الحاجة إلى الإجابة عن هذا السؤال المحير للعلماء هي التي دفعت أكثر من جامعة حول العالم لإنشاء مرافق بحثية متخصصة في أبحاث الخفافيش زادت قيمتها وأهميتها بعد جائحة «كورونا»، ومنها المرفق الأشهر التابع لكلية «ديوك – نوس» الطبية بجامعة سنغافورة الوطنية.

وتعيش الخفافيش داخل هذا المرفق في بيئة تحاكي بيئتها الطبيعية، حيث تستمتع بالبطيخ المفروم الطازج، البابايا، المانجو، الحليب المجفف، ورائحة حلوة مثل سائل الرحيق، ويتدلى كيس من الخيش من أعلى كل قفص لمنح الخفافيش بعض الخصوصية والظلام.

يقول لينفا وانغ، عالم الفيروسات بكلية «ديوك – نوس» الطبية، ومؤسس المرفق، في تقرير نشره موقع مجلة «نيتشر»، في 21 مارس (آذار) الحالي: «سمح لنا هذا المرفق البحثي بطرح أسئلة عديدة، عن الخلايا التي تشكل أجهزة المناعة لدى الخفافيش وكيفية استجابتها للعدوى؛ فمن الأمور ذات الأهمية الخاصة بجهاز المناعة لدى الخفافيش قدرته على تحمل الفيروسات القاتلة للإنسان والثدييات الأخرى، من (الإيبولا) إلى (نيباه)، والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس)، وهذه المناعة غير المفهومة جيداً لها عواقب واضحة، حيث يُعتقد أن الخفافيش مصدر العديد من الفاشيات الفيروسية الكارثية لدى البشر».

ورغم أن الاهتمام البحثي بدراسة هذا الأمر منذ فترة، فإن هناك زخماً يغذيه وباء «كورونا»، بهدف تطوير وتطبيق أدوات جديدة لمعرفة كيف يمكن للخفافيش التعايش مع مسببات الأمراض الخطيرة.

ويبدو هذا الزخم واضحاً في تضاعف الإشارة إلى الخفافيش في مقالات علم المناعة أكثر من 3 أضعاف (من نحو 400 في عام 2018 إلى 1500 في عام 2021)، ويأمل وانغ ورفاقه من الباحثين المهتمين بمناعة الخفافيش أن يؤدي ذلك، في يوم من الأيام، إلى علاجات لمعالجة العدوى لدى البشر، وطرق منع انتشار الفيروسات من الخفافيش.

ويعترف وانغ بأن إنشاء مرفق الأبحاث ليس العقبة الوحيدة في طريق تحقيق هذا الحلم؛ فرغم أن إنشاءه وإدارته مكلفان للغاية، فإنه ينبغي أن تتوفر للباحثين الأدوات العلمية اللازمة.

وتسببت الجائحة في زخم تمويلي وفر للباحثين التمويل اللازم الذي ساعدهم على توفير بعض من هذه الأدوات، بما في ذلك أن يكون لدى الباحثين جينوم عالي الجودة للخفافيش، والأجسام المضادة وحيدة النسيلة، التي يستخدمها علماء المناعة لتمييز الخلايا المناعية والبروتينات.

تقول إيما تيلينغ، عالمة أحياء الخفافيش في جامعة كوليدج دبلن بآيرلندا في التقرير الذي نشرته «نيتشر» إن «العقد المقبل سيشهد رؤى مثيرة حول أسرار مناعة الخفافيش، والسبب الوحيد لكوننا قادرين على القيام بذلك يرجع إلى هذا الجيل الجديد من الأدوات التي تم توفيرها».

وكانت دراسات سابقة وضعت بعض الافتراضات لأسباب قوة مناعة الخفافيش، منها أن بعض أنواعها تحافظ على مستويات عالية من «الإنترفيرون»، وهي جزيئات تثير الإنذار وتكثف الجهود لتعطيل الفيروسات؛ ما قد يسمح للحيوانات بإيقاف تكاثر الفيروس بسرعة.

كما تفترض نظريات أخرى امتلاك الخفافيش مخزوناً موسعاً من الجينات التي تشفر البروتينات التي تتداخل مع تكاثر الفيروس أو تمنع الفيروسات من مغادرة الخلايا، أو بسبب أنها لا تبالغ في رد فعلها الذي يسبب كثيراً من الضرر الناجم عن العدوى، وذلك عبر عدة طرق لترويض الاستجابة الالتهابية، مثل كبت نشاط الجزيئات الكبيرة متعددة البروتينات المعروفة باسم الجسيمات الالتهابية، وبدلاً من إنفاق كميات هائلة من الطاقة للتخلص من الفيروسات تماماً، يبدو أن الخفافيش تتحمل مستويات منخفضة من وجودها؛ فهناك نوع من «معاهدة سلام» بين الخفافيش ومسببات الأمراض التي تستضيفها.

تقول تيلينغ: «ستساعد الأدوات الجديدة على اختبار تلك النظريات، والوصول لنتائج أكثر دقة حول سبب مناعة الخفافيش».

ويقول محمد فوزي، أستاذ الأمراض المشتركة بجامعة بنى سويف المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «الوصول إلى البنية الأساسية لجهاز المناعة لدى الخفافيش هو المفتاح لاكتشاف الأسرار، وقد ساعدت الأدوات الجديدة التي تم توفيرها على تحقيق إنجازات في هذا المجال».

ويشير فوزي في هذا الإطار إلى نجاح بعض الأبحاث في تحديد أنواع الخلايا المناعية التي من المحتمل أن تكون فريدة من نوعها في الخفافيش، وهو ما يمكن أن يساعد في تحديد ما إذا كانت هناك «آلية واحدة تنطبق على جميع الخفافيش، وجميع الفيروسات، وهو ما ستبحثه دراسات أخرى».




مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى